شاهدنا فى الأسابيع الماضية عدة برامج تستضيف متهماً ليحكى عن جريمته ثم تستضيف ضابط المباحث الذى اكتشف القضية، ودائماً ما يكذب تصريحات المتهم ويقول عنه إنه يراوغ أو إنه يحاول أن يحول القضية إلى صالحه كدفاع عن النفس فتتحول من إعدام إلى مجرد سجن، ويظل يسب ويلعن فى المتهم مُصدراً حكمه قبل القاضى، يظل المذيع يحاور المتهم متقمصاً دور وكيل النيابة وتظل المذيعة تكيل له الشتائم وناقص تضربه قلمين وشلّوتين!! تتحول القضية إلى وسيلة ضغط من الرأى العام قبل أن يحكم القاضى أو قبل أن تتحول إليه أصلاً ويصبح أى نطق بالحكم مخالفاً للحكم الجماهيرى مداناً من الشارع، وإذا لم تتحول بوصلة القاضى بعد كل هذا الشحن الجماهيرى إلى قبلة واتجاه المشاهدين سيجرس القاضى بل ربما تخرج ضده مظاهرات، أعلم منذ فترة أن هناك حكماً صدر ضد برنامج تليفزيونى كان يذاع على القناة الثانية وكانت القضية مرفوعة من إحدى جمعيات حقوق الإنسان وبعدها تم إيقافه وإلغاء كل البرامج التليفزيونية التى تستضيف متهمين داخل أقسام الشرطة وتجرى معهم تحقيقات بحجة الوعظ والإرشاد، من المعروف أن الوعظ والإرشاد من الممكن أن يتم بنقل كلمات وعبارات ندم وتوبة بعض المجرمين من داخل السجون بعد صدور حكم بات نهائى أخذ دورته القانونية حتى محكمة النقض، لكن ظهور متهم من داخل القسم والضغط عليه ليتكلم ويبوح أمام الكاميرات وبدون وجود محامٍ هى جريمة على المستويين الإعلامى والقانونى، بالنسبة للشق الإعلامى سألت د.سامى عبدالعزيز فكان رده أن هذا اعتداء سافر على خصوصية المتهم وتجريس لعائلته واستباق للحكم وتشكيل ضغط رأى عام على القاضى، وبالنسبة للشق القانونى سألت المحامى الكبير علاء عبدالمنعم فقال إن هذا النوع من الاستضافات مُنافٍ لقانون الإجراءات الجنائية وغير مسموح بالتحقيق مع المتهم إلا أمام النيابة بدليل أن الديباجة المعروفة فى تحقيقات النيابة هى (استدعته النيابة وأعلمته... إلخ)، إذن لا بد حتى للنيابة أن تعلنه بكل شفافية أنه فى غرفة تحقيق النيابة. أخيراً.. ضباط الشرطة فى أقسام البوليس الذين يسمحون للمذيعين باستجواب المتهم أمام الكاميرات هم مدانون أيضاً.